سورة المائدة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


فطوعت: فسهَّلت.
لم تنفع معه المواعظ التي قدّمها أخوه ولم يخشَ بشاعة الجريمة وما يترتب عليها من إثم وعقاب. وظلّت نفسه الأمارة بالسوء تشجّعه حتى قتل أخاه، فأصبح من الخاسرين: خسر نفسه فأوردها موارد الهلاك، وخسر أخاه ففقد الناصر والرفيق.
لقد خسر دنياه فلم تعد تهنأ له حياة، وخسر آخرته بدخوله النار. كذلك أصبح حائراً لا يدري ماذا يصنع، بعد أن رأى جثة أخيه وقد بدأ يسري فيها العفن.


عند ذلك أرسل الله غراباً (وانتقى الغراب لأنه مقرون بالدمار في لغة العرب، والقتلُ شر دمار) يعلّمه كيف يدفن غراباً ميتاً. وقد باشر الغراب الحفر في الأرض ثم دفن الغرابَ الميت. فقال القاتل عند ذلك: يا حسرتي، أعجزتُ أن أكون مثل هذا الغراب فأستر جثة أخي! وهكذا ظهرت سُنة الدفن. وندم على جرمه الذي ارتكبه حيث لا ينفع الندم.
وفي الحديث الصحيح «لا تُقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابنِ آدم كفلٌ من دمها لأنه أولُ من سنّ القتل».
وتقدّم القصةُ صورتين لطبيعة بني آدم: صورة لطبيعة الشر والعدوان كقاتل، وأخرى لطبيعة الخير والسماحة كرافض لأن يقتُل لذا بيّن سبحانه انه يجب ان يكون هناك تشريع يحفظ التوازن بين الناس، بموجبه يجب ان يلقى المجرم جزاءه. وبذلك يعيش الناس في أمان وتصان نفوسهم، فقال: من أجْل ذكك كتَبنا على بني اسرائيل: الآية32.


بسبب هذا الجرم الفظيع الذي ارتكبه ابن آدم أوجبنا قتْل المعتدي، لأن من قتل نفساً واحدة ظلماً وعدواناً بغير سبب موجب للقصاص، ولا فسادٍ يخلّ بالأمن، مثل (قتْل الأنفس ونهب الأموال وقطْع الطرق) فكأنما قتل الناس جميعاً.
هذا دليل على تعظيم أمر القتل العمد، وبشاعة هذا الجرم الكبير. فقتلُ النفس الواحدة كقتل جميع الناس عند الله. لأن القاتل هتك حرمة دمائهم، جرّأ غيره عليها.
ومن كان سببا في انقاذ نفس من الموت وإحيائها فكأنّما أحيا الناس كلهم، لصيانته دماء البشر، فهو يستحق الثواب العظيم من الله.
والآن.. ما جزاء من يقتل المئات والألوف بأمرٍ منه! سواء كان القتل بوسائل الحرب أم بالتجويع أم بقتل حرّيتهم عن طريق تجريدهم منها، فهو قتلٌ على كل حال؟ فانظروا ايها المسلمون إلى واقعكم وتدبّروا أمركم، والله في عونكم حين تؤوبون إلى صراطه. فالاعتداء على الفرد اعتداءٌ على المجتمع، لذلك قال الفقهاء: إن القصاص حق لولي الدم، ان شاء عفا واخذ الدية، وان شاء طلب القصاص.
وفي الآية ارشاد إلى ما يجب من وحدة البشر وحرص كل منهم على حياة الجميع. وكثيراً ما يشير القرآن إلى وحدة الأمة ووجوب تكافلها وتضامنها، كما يؤكد وجوب تآزرها لرفع الضّيم عن حقوقها المهدورة.
ولقد بعث الله الرسل بالآيات الواضحة الي البشر. فلم تغنِ عن الكثير منهم شيئا، اذ لم تهذب نفوسهم ولم تطهر اخلاقهم، فكانوا رغم كل ذلك يسرفون في الأرض فساداً.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11